السيد جعفر بن حسن بن البرزنجي — لجين الداني في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني

 

السيد جعفر بن حسن بن البرزنجي — لجين الداني في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيْمِ

إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى أَلِهِ وَصَحْبِهِ اَجْمَعِيْنَ، الْفَاتِحَة ...

ثُمَّ إِلَى حَضْرَةِ الْقُطْبِ الرَّبَّانِي وَالْغَوْثِ الصَّمَدَانِي سَيِّدِي الشَّيْخ عَبْدُ الْقَاِدرِ الْجِيْلاَنِي، وَأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، الفاتحة ...

ثُمَّ إِلَى حَضْرَةِ أَوْلِيَاءُ اللهِ الْكِرَام: آمْبَهْ سَيِّدْ جَعْفَرْ صَادِقْ، آمْبَهْ عُمَرْ سَعِيْد سُوْنَنْ مُوْرِيَا، آمْبَهْ عَبْدُ الْجَلِيْل، آمْبَهْ عَبْدُ الْقَهَّارْ، آمْبَهْ سِيْوَا نكَارَا، آمْبَهْ سَنُوْسِي، آمْبَهْ يَس، آمْبَهْ أَحْمَدْ، آمْبَهْ رِفَاعِي، آمْبَهْ أَحْمَدْ مُتَمَكِّنْ، قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُمْ، وَنَوِّرْ ضَرِيْحَهُمْ، وَيُعْلِي دَرَجَاتِهِمْ، وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِمْ، وَأَمْطِرْ عَلَيْنَا غَيْثَ كَرَامَاتِهِمْ، شَيْئٌ لِلَّهِ لَهُمُ الفاتحة ...

بسم الله الرحمن الرحيم

الَحْمَدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَامِلِ الشَّرِيْعَةِ وَخَالِصِ الدِّيْنِ وَحَلَى جِيْدَ رِسَالَتِهِ بِبَاهِرِ الْخَوَارِقِ وَأَيَّدَهُ بِكُمَّاةِ الأَصْحَابِ الْمُهْتَدِيْنَ وَخَصَّ مَنْ شَاءَ مِنْ أَتْبَاعِ مِلَّتِهِ بِالرُّقِيِّ إِلَى أَوْجِ الْمَعَارِفِ وَالْحَقَائِقِ، وَأَفَاضَ عَلَيْهِمْ مِنْ بُحُوْرِ مَوَاهِبِ اللَّدُنِيَّةِ ظُرَفَ اللَّطَائِفِ وَشَوَارِقَ الرَّقَائِقِ فَأَصْبَحُوْا هُدَاةَ الأُمَّةِ، وَقَادَتَهَا إِلَى الْعَرِيْزِ الْعَلِيْمِ سَالِكِينَ بِعِبَادِ اللهِ تَعَالَى مِنْ سُبُلِ الإِرْشَادِ أَعْلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيْمِ وَآَلَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ زَكِيَ الصَّلَوَاتِ وَالتَّسْلِيْمِ وَوَفَّقَنَا لِلْإِهْتِدَاءِ بِهُدَاهُمْ وَالإِقْتِدَاءِ بِأَثَارِهِمْ وَالإِقْتِبَاسِ مِنْ مِشْكَاةِ أَنْوَارِهِمْ فِي حِنْدِسِ الْجَهْلِ الْبَهِيْمِ مَا عَطَّرَتْ مَنَاقِبُهُمْ مَعَاطِسَ الأَسْمَاءِ الْوَاعِيَةِ وَتُلِيَتْ آَيُ فَضَائِلِهِمْ فَكَانَتْ إِلَى النُّهُوْضِ إِلَى اللهِ دَاعِيَةً.

أَمَّا بَعْدُ : فَيَقُوْلُ الْمُفْتَقِرَ إِلَى فَضْلِ الْكَرِيْمِ الْمُنْجِي جَعْفَرُ بْنُ حَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيْمِ الْبَرْزَنْجِيُّ: هَذِهِ نُبْذَةٌ مِنْ أَحْوَالِ الْقُطْبِ الرَّبَّانِيِّ وَالْغَوْثِ الصَّمَدَانِيِّ سُلْطاَنِ الأَوْلِيَاءِ الْعَارِفِيْنَ وَإِمَامِ الْعُلَمَاءِ السَّالِكِيْنَ النَّاهِلِيْنَ مِنْ بَحْرِ الْحَقِيْقَةِ وَالْغَارِفِيْنَ، السَّيِّدِ الشَّرِيْفِ وَالسَّنَدِ الْغِطْرِيْفِ الْحَسِيْبِ النَّسِيْبِ ذِي الْمَقَامِ الأَعْلَى وَالنَّادِي الرَّحِيْبِ سَيِّدِ االشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيْلاَنِي بَلَّغَهُ اللهُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ الْقَوِيِّ وَالْحَفِيِّ جَنَّةَ الْقُرْبِ وَالأَمَانِيِّ وَعِقْدُ النَّظَمْتُهُ مِنْ فَرَائِدِ عَمَلِهِ وَقَوْلِهِ لِتَتَشَنَّفَ بِدُرَرِهِ أَسْمَاعُ الْحَاضِرِيْنَ عِنْدَ عَمَلِ مُهِمِّهِ وَحَوْلِهِ إِنْتَخَبْتُهُ مِنْ كَلاَمِ بَعْضِ أَرْبَابِ الطَّرِيْقَةِ وَمَنْ لَهُ فِي حَضْرَةِ الشَّيْخِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَقِيْدَةٌ مُحْكَمَةٌ وَمَحَبَّةٌ وَثِيْقَةٌ، كَالشَّيْخِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيِّ الَّذِي لاَحَ لَهُ الْفَلاَحُ وَالسِّرَاجِ الدِّمِشْقِيِّ صَاحِبِ كِتَابِ نِتَاجِ الأَرْوَاحِ، رَغْبَةً فِي نَشْرِ أَحْوَالِ الْكُمَّلِ وَبَثِّ مَنَاقِبِ الأَخْيَارِ وَاسْتِنْزَالاً لِصَيِّبِ رَحَمَاتِ وَالْبَرَكَاتِ الْغِزَارِ إِذْ بِذِكْرِهِمْ تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّموَاتِ الْعَلِيَّةِ وَتَنْهَلُّ مِنْ حَظِيْرَةِ الْقُدْسِ سُحُبُ الْفُيُوْضَاتِ الإِلَهِيَّةِ وَفَصَّلْتُهُ بِوَسَائِطَ مِنْ لَالِى التَّرَاضِي عَنْهُ وَطَلَبِ الإِمْدَادِ بِأَسْرَارِهِ فَلْيَجْهَرْ بِذِكْرِهِ الْحَاضِرُوْنَ عِنْدَ بُلُغِ الْقَارِئِ إِلَيْهَا فِي أَخْبَارِهِ، وَسَمَّيْتُهُ بِاللُّجَّيْنِ الدَّانِيّ فِي ذِكْرِ نُبْذَةٍ مِنْ مَنَاقِبِ الْقُطْبِ الرَّبَّانِيِّ، سَيِّدِناَ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجَيْلاَنِيِّ فَأَقُوْلُ هُوَ الشَّيْخُ الْكَامِلُ وَالْجِهْبِذُيُّ الْوَاصِلُ ذُوْ الْمَقَامَاتِ اْلعَالِيَّةِ الشَّرِيْفَةِ وَالأَقْدَامِ الرَّاسِخَةِ وَالتَّمَكُّنِ التَّامِّ وَلأَحْوَالِ الْمُنِيْفَةِ وَالْكَمَالاَتِ الشَّامِخَةِ الْقُطْبِ الرَّبَّانِيِّ وَالنُّوْرُ السَّاطِعُ الْبُرْهَانِيَ وَالْهَيْكَلُ الصَّمَدَانِيِّ وَالْغَوْثُ النُّوْرَانِيِّ وَهُوَ أَبُوْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيْلاَنِيِّ، ابْنُ أَبِي صَالِحِ بْنِ مُوْسَى بْنِ جَنْكِي دَوْسَتِ وَقِيْلَ جَنْكَا دَوْسَتِ، ابْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ ابْنِ يَحْيَى الزَّاهِدِ ابْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ دَاوُوْدَ ابْنِ مُوْسَى ابْنِ عَبْدِ اللهِ الْمَحْضِ ابْنِ الْحَسَنِ الْمُثَنَّى ابْنِ الْحَسَنِ السِّبْطِ ابْنِ عَلِيِّ ابْنِ أَبِي طاَلِبٍ وَابْنِ فاَطِمَةَ الزَّهْرَاءِ الْبَتُوْلِ بِنْتِ سَيِّدِناَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّسُوْلِ:

نَسَبٌ كَأَنَّ عَلَيْهِ مِنْ شَمْسِ الضُّحى

نُـوْرًا وَمِنْ فَلَقِ صَبَاحِ عَمُوْدًا

نَسَبٌ لَهُ فِى وَجْهِ أَدَمَ لُمْــــعَةٌ

مُنِحَتْ مَلاَئِكَةِ السَّمَاءِ سُجُوْدًا

نَسَبٌ كِتَابُ اللهِ أَوْفَى حُـــجَّةً

فِي مَدْحِهِ مَنْ ذَى يَرُوْمُ جُحُوْدًا

أَللَّهُمَّ انْشُرْ نَفَحَاتِ الرِّضْوَانِ عَلَيْهِ وَأَمِدَّنَا باِلأَسْرَارِ الَّتِي أَوْدَعْتَهَا لَدَيْهِ

وُلِدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِجِيْلاَنَ، وَهِيَ بِلاَدٌ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْ وَرَاءِ طَبَارِسْتَانَ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَكَانَ فِي طُفُوْلِيَّتِهِ يَمْتَنِعُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عِنَايَةً مِنَ اللهِ تَعَالَى بِهِ، وَلمَاَّ تَرَعْرَعَ وَسَارَ إِلَى طَلَبِ الْعُلُوْمِ، وَقَصَدَ كُلَّ مِفْضَالٍ عَلِيْمٍ، وَمَدَّ يَدَهُ إِلَى الْفَضَائِلِ، فَكَانَ أَسْرَعَ مِنْ خَطْوِ الظَلِيْمِ وَتَفَقَّهَ بِأَبِي الْوَفَا عَلِيِّ بْنِ عَقِيْلٍ، وَأَبِي الْخَطَّابِ الْكَلْوَذَانِيْ مَحْفُوْظِ بْنِ أَحْمَدَ الْجَلِيْلِ، وَأَبِي الْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ تُنَصُّ لَدَيْهِ عَرَائِسُ الْعُلُوْمِ وَتُجَلَّى، وَقَرَاءَ الأَدَابَ عَلَى أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى ابْنِ عَلِيِّ التِّبْرِيْزِي وَاقْتَبَسَ مِنْهُ أَيَّ اقْتِبَاسٍ، وَأَخَذَ عِلْمَ الطَّرِيْقَةِ عَنِ الْعَارِفِ بِاللهِ الشَّيْخِ أَبِي الْخَيْرِ حَمَّادِ بْنِ مُسْلِمِ الدَّبَّاسِ، وَلَبِسَ مِنْ يَدِ الْقَاضِي أَبِي سَعِيْدِ الْمُبَارَكِ الْخِرْقَةَ الشَّرِيْفَةَ الصُّوْفِيَّةَ، وَتَأَدَّبَ بِأَدَبِهِ الْوَفِيَّةِ، وَلَمْ يَزَلْ مَلْحُوْظًا بِالْعِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ، عَارِجاً فِي مَعَارِجِ الْكَمَالاَتِ بِهِمَّتِهِ الأَبِيَّةِ، آخِذًا نَفْسَهُ بِالْجِدِّ، مُشَمِّرًا عَنْ سَاعِدِ الإِجْتِهَادِ نَابِذًا لِمَألُوْفِ الإِسْعَافِ وَالإِسْعَادِ حَتَّى أَنَّهُ مَكَثَ خَمْسًا وَعِشْرِيْنَ سَنَةً سَائِرًا فِي صَحْرَاءِ الْعِرَاقِ وَخَرَابَاتِهِ لاَيَعْرِفُ النَّاسَ وَلَايَعْرِفُوْنَهُ، فَيَعْذِلُوْنَهُ عَنْ أَمْرِهِ وَيَصْرِفُوْنَهُ، وَقَاسَى فِي بِدَايَتِهِ أَمْرِهِ الأَخْطَارَ فَمَا تَرَكَ هَوْلاً إِلاَّ رَكِبَهُ وَقَفَّرَ مِنْهُ الْقِفَارِ، وَكَانَ لِبَاسُهُ جُبَّةَ صُوْفٍ وَعَلَى رَأسِهِ خُرَيْقَةٌ يَمْشِي حَافِيًا فِي الشَّوْكِ وَالْوَعْرِ، لِعَدَمِ وِجْدَانِهِ نَعْلاً يَمْشِي فِيْهَا، وَيَقْتَاتُ ثَمَرَ الأَشْجَارِ وَقُمَامَةَ الْبَقْلِ التُّرْمَى، وَوَرَقَ الْحَشِيْشِ مِنْ شَاطِئِ النَّهْرِ وَلاَ يَنَامُ غَالِبًا وَلاَ يَشْرَبُ الْمَاءَ وَبَقِيَ مُدَّةَ لَمْ يَأكُلْ فِيْهَا طَعَامًا، فَلَقِيَهُ إِنْسَانٌ فَأَعْطَاهُ صُرَّةَ دَرَاهِمَ إِكَرامًا، فَأَخَذَ بِبَعْضِهَا خُبْزًا سَمِيْدًا وَخَبِيْصًا وَجَلَسَ لِيَأكُلَ وَإِذًا بِرُقْعَةٍ مَكْتُوْبٌ فِيْهَا إِنَّمَا جُعِلَةِ الشَّهَوَاتُ لِضُعَفَاءِ عِبَادِي لِيَسْتَعِيْنوُا بِهَا عَلَى الطَّاعَاتِ وَأَمَّا الأَقْوِيَاءُ فَمَا لَهُمُ الشَّهَوَاتُ فَتَرَكَ الأَكْلَ، وَأَخَذَ الْمِنْدِيْلَ وَتَرَكَ مَا كَانَ فِيْهِ، وَتَوَجَّهَ فِي الْقِبْلَةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَانْصَرَفَ، وَفَهِمَ أَنَّهُ مَحْفُوْظٌ وَمُعْتَنًى بِهِ وَعَرَفَ.

أَللَّهُمَّ انْشُرْ نَفَحَاتِ الرِّضْوَانِ عَلَيْهِ وَأَمِدَّنَا باِلأَسْرَارِ الَّتِي أَوْدَعْتَهَا لَدَيْهِ

وَرَافَقَهُ الْخَضِرُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ أَوَّلَ دُخُوْلِهِ الْعِرَاقَ، وَلَمْ يَكُنِ الشَّيْخُ يَعْرِفُهُ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْخَضِرُ أَنْ لاَ يُخَالِفَهُ وَالْمُخَالَفَةُ سَبَبُ الْفِرَاقِ، فَقَالَ لَهُ الخَضِرُ: آُقْعُدْ هَاهُناَ! فَقَعَدَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَشَارَ بِالْقُعُوْدِ فِيْهِ ثَلاَثَ سِنِيْنَ يَأتِيْهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَيَقُوْلُ لَهُ: لاَ تَبْرَحْ عَنْ مَكَانِكَ حَتَّى آتِيَكَ وَنَامَ مَرَّةً فِي إِيْوَانِ كِسْرَى مِنَ الْمَدَائِنِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَاحْتَلَمَ وَذَهَبَ إِلَى الشَّطِّ وَاْغْتَسَلَ، ثُمَّ نَامَ فَاحْتَلَمَ وَذَهَبَ إِلَى الشَّطِّ وَاغْتَسَلَ وَوَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَرْبَعِيْنَ مَرَّةً، ثُمَّ صَعِدَ عَلَى جِدَارِ الإِيْوِانِ خَوْفًا مِنَ النَّوْمِ مُخَافَظَةً عَلَى الطَّهَارَةِ، وَكَانَ كُلَّمَا أَحْدَثَ تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّ رَكْعَتَيْنِ، وَلاَ يَجْلِسُ عَلَى حَدَثٍ قَطُّ وَلَمْ يَزَلِ الإِجْتِهَادُ دَأبَهُ حَتَّى طَرَقَهُ مِنَ اللهِ الْحَالِ، وَأَنَ أَوَانُ الْوِصَالِ، وَبَدَتْ لَهُ أَنْوَارُ الْجَمَالِ، فَخَرَجَ عَلَى وَجْهِهِ الْوَجِيْهِ، لاَيَعِي غَيْرَ مَا هُوَ فِيْهِ، وَيَتَظَاهَرُ بِالتَّخَارُسِ وَالْجُنُوْنِ حَتَّى حُمِلَ إِلَى الْمَارَسْتَانِ مَرَّاتٍ إِلَى أَنِ اشْتَهَرَ أَمْرُهُ وَفَاقَ أَهْلَ عُصْرِهِ عِلْمًا وَعَمَلاً وَزُهْداً وَمَعْرِفَةً وَرِيَاسَةً وَقَبُوْلاً، وَطَارَ صِيْتُهُ، وَسَارَ ذِكْرُهُ مَسِيْرَ الشَّمْسِ، وَحُكِيَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ لَهُ مِائَةُ فَقِيْهٍ مِنْ عُلَمَاءِ بَغْدَادَ وَجَمَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِدَّةَ مَسَائِلَ وَجَاؤُا إِلَيْهِ لِيَمْتَحِنُوْهُ، فَلَمَّا اسْتَقَرُّوْا أَطْرَقَ الشَّيْخُ فَظَهَرَتْ مِنْ صَدْرِهِ بَارِقَةٌ مِنْ نُوْرٍ، فَمَرَّتْ عَلَى صُدُوْرِ مِائَةِ فَقِيْهٍ فَمَحَتْ مَا فِي قُلُوْبِهِمْ وَبُهِتُوْا وَاضْطَرَبُوْا وَصَاحُوْا صَيْحَةً وًاحِدَةً وَمَزَّقُوْا ثِيَابَهُمْ وَكَشَفُوْا رُؤُسَهُمْ، ثُمَّ صَعِدَ الشَّيْخُ عَلَى الْكُرْسِيِّ وَأَجَابَ عَنْ جَمِيْعِ مَسَائِلِهِمْ فَاعْتَرَفُوْا بِفَضْلِهِ وَخَضَعُوْا لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقْرَأُ فِي ثَلاَثَةَ عَشَرَ عِلْمًا: التَّفْسِيْرَ وَالْحَدِيْثَ وَالْخِلاَفَ وَالأُصُوْلَ وَالنَّحْوَى وَالْقِرَاءَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَكَانَ يُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَالإِمَامِ أَحْمَدَ ابْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَكَانَ عُلَمَاءُ الْعِرَاقِ يَتَعَجَّبُوْنَ مِنْ فَتْوَاهُ وَيَقُوْلُوْنَ: سُبْحَانَ مَنْ أَعْطَاهُ، وَرُفِعَ إِلَيْهِ مَرَّةً سُؤَالٌ عَجَزَ الْعُلَمَاءُ عَنْ جَوَابِهِ، صُوْرَتُهُ: رَجُلٌ حَلَفَ بِالطَّلاَقِ الثَّلاَثِ أَنَّهُ لاَبُدَّ أَنْ يَعْبُدَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَةً يَنْفَرِدُ بِهَا دُوْنَ الْخَلاَئِقِ أَجْمَعِيْنَ فِي ذَالِكَ الْوَقْتِ فَمَا خِلاَصُهُ؟ فَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الْفَوْرِ: خِلاَصُهُ أَنْ يَأتِيَ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةَ وَيُخَلِّيَ الْمَطَافَ لَهُ فَيَطُوْفُ أُسْبُوْعًا وَاحِدَةً وَتَنْحَلُّ يَمِيْنُهُ، فَلِلَّهِ دَرُّهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَللَّهُمَّ انْشُرْ نَفَحَاتِ الرِّضْوَانِ عَلَيْهِ وَأَمِدَّنَا باِلأَسْرَارِ الَّتِي أَوْدَعْتَهَا لَدَيْهِ

وَكَانَ يَلْبَسُ لِبَاسَ الْعُلَمَاءِ وَيَتَطَيْلَسُ وَيَرْكَبُ الْبَغْلَةَ وَتُرْفَعُ الْغَاشِيَةُ، وَإِذَ تَكَلَّمَ جَلَسَ عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ، وَكَانَ فِي كَلاَمِهِ سُرْعَةٌ وَجَهْرٌ وَرُبَّمَا خَطَا فِي الْهَوَاءِ عَلَى رُؤُسِ الأَشْهَادِ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْكُرْسِيِّ، وَكَانَ وَقْتُهُ كُلُّهُ مَعْمُوْراً بِالطَّاعَاتِ، قَالَ خَادِمُهُ الشَّيْخُ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ ابْنُ عَبْدِ الْفَتَّاحِ الْهَرَوِيِّ: خَدَمْتُ الشَّيْخَ عَبْدَ الْقَادِرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُدَّةَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ يُصلِّي الصُّبْحَ بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ هَذِهِ الْمُدَّةَ كُلَّهَا وَكَانَ إِذَ أَحْدَثَ جَدَّدَ فِي وَقْتِهِ وُضُوْءَهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ دَخَلَ خَلْوَتَهُ فَلاَ يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَدْخُلَهَا مَعَهُ وَلاَ يَفْتَحُهَا وَلاَ يَخْرُجُ مِنْهَا إِلاَ عِنْدَ طُلُوْعِ اْلفَجْرِ، وَلَقَدْ أَتَاهُ الْخَلِيْفَةُ مِرَارًا بِاللَّيْلِ يَقْصِدُ الإِجْتِمَاعَ بِهِ فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَهُ فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي أَوَّلَ اللَّيْلِ يَسِيْراً، ثُمَّ يَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى إِلَى أَنْ يَمْضِيَ الثُّلُثُ الأَوَّالُ مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ يَقُوْلُ: الْمُحِيْطُ الرَّبُّ الشَّهِيْدُ الْحَسِيْبُ الْفَعَّالُ الْخَلاَّقُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ تِسْعَةُ أَلْفَاظٍ، وَيَرْتَفِعُ فِي الْهَوَاءِ إِلَى أَنْ يَغِيْبَ عَنْ بَصَرِيْ ثُمَّ يُصَلِّي قَائِماً عَلَى قَدَمَيْهِ يَتْلُوْ الْقُرآنَ إِلَى أَنْ يَذْهَبَ الثُّلُثُ الثَّانِيْ، وَكَانَ يُطِيْلُ سُجُوْدَهُ جِدًّا، ثُمَّ يَجْلِسُ مُتَوَجِّهًا مُرَاقِبًا إِلَى طُلُوْعِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَأخُذُ فِي الإِبْتِهَالِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّذَلُّلِ وَيَغْشَاهُ نُوْرٌ يَكَادُ يَخْطَفُ بِالأَبْصَارِ إِلَى أَنْ يَغِيْبَ فِيْهِ عَنِ النَّظَرِ، قَالَ وَكُنْتُ أَسْمَعُ عِنْدَهُ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ وَهُوَ يَرُدُّ السَّلاَمَ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ، وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُوْلُ: لاَيَنْبَغِي لِفَقِيْرٍ أَنْ يَتَصَدَّى، وَيَتَصَدَّرَ لِإِرْشَادِ النَّاسِ إِلاَّ أَنْ أَعْطَاهُ اللهُ عِلْمَ الْعُلَمَاءِ وَسِيَاسَةَ الْمُلُوْكِ وَحِكْمَةَ الْحُكَمَاءِ، قاَلَ وَرُفِعَ إِلَيْهِ مَرَّةً شَخْصٌ ادَّعَى أَنَّهُ يَرَى اللهَ تَعَالَى بِعَيْنَيْ رَأسِهِ، فَقَالَ لَهُ أَحَقٌّ مَا يَقُوْلُوْنَ عَنْكَ؟ فَقَالَ نَعَمْ، قاَلَ فَزَجَرَهُ وَانْتَهَرَهُ وَعَاهَدَهُ عَلَى أَنْ لاَ يَعُوْدَ إِلَى ذِكْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ الشَّيْخُ إِلَى الْحَاضِرِيْنَ السَّائِلِيْنَ لَهُ أَمُحِقٌّ هَذَا أَمْ مُبْطِلٌ؟ فَقَالَ هُوَ مُحِقٌّ فِي قَوْلِهِ مُلْتَبَسٌ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ شَهِدَ بِبَصِيْرَتِهِ نُوْرَ الْجَمَالِ ثُمَّ خُرِقَ مِنْ بَصِيْرَتِهِ مَنْفَذٌ فَرَأَى بَصَرُهُ بَصِيْرَتَهُ وَشُعَاعُهَا مُتَّصِلٌ بَنُوْرِ شُهُوْدِهِ فَظَنَّ أَنَّ بَصَرَهُ رَأَى مَا شَهِدَتْهُ بَصِيْرَتَهُ وَإِنَّمَا رَأَى نُوْرَ بَصِيْرَتِهِ فَقَطْ وَهُوَ لاَ يَدْرِي فَاضْطَرَبَ الْعُلَمَاءُ وَالصُّوْفِيَّةُ مِنْ سِمَاعِ ذَلِكَ الْكَلاَمِ وَدُهِشُوْا، قَالَ وَذُكِرَ أَنَّهُ يُرَى لَهُ مَرَّةً مِنَ الْمَرَّاتِ نُوْرٌ عَظِيْمٌ أَضَاءَ بِهِ الأُفُقُ، وَبَدَا لَهُ فِي ذلِكَ النُّوْرِ صُوْرَةٌ فَنَادَتْنِي يَا عَبْدَ الْقَادِرِ أَناَ رَبُّكَ وَقَدْ أَبَحْتُ لَكَ الْمُحَرَّمَاتِ فَقُلْتُ أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ، إِخْشَأْ يَا لَعِيْنُ! قَالَ: فَإِذًا بِذَالِكَ النُّوْرِ ظُلاَمٌ وَالصُّوْرَةِ دُخَانٌ ثُمَّ صَرَخَ: يَا عَبْدَ الْقَادِرِ نَجَوْتَ مِنِّي بِعِلْمِكَ بِحُكْمِ رَبِّكَ وَفِقْهِكَ فِي أَحْكَامِ مَنَازِلِكَ، وَلَقَدْ أَضْلَلْتُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ سَبْعِيْنَ مِنْ أَهْلِ الطَّرِيْقِ، فَقُلْتُ: لِرَبِّيَ الْفَضْلُ وَالْمِنَّةُ، فَقِيْلَ لِلشَّيْخِ: بِمَ عَرَفْتَ أَنَّهُ شَيْطَانٌ؟ فَقَالَ: مِنْ قَوْلِهِ: أَبَحْتُ لَكَ الْمُحَرَّمَاتِ فَعَلِمْتُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يَأمُرُ بِالْفَحْشَاءِ.

أَللَّهُمَّ انْشُرْ نَفَحَاتِ الرِّضْوَانِ عَلَيْهِ وَأَمِدَّنَا باِلأَسْرَارِ الَّتِي أَوْدَعْتَهَا لَدَيْهِ

وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لاَ يُعَظِّمُ الأَغْنِيَاءَ، وَلاَ يَقُوْمُ لِأَحَدٍ مِنَ الأُمَرَاءِ وَلاَ أَرْكَانَ الدَّوْلَةِ وَكَانَ كَثِيْرًا يَرَى الْخَلِيْفَةَ قَاصِدًا لَهُ وَهُوَ جَالِسٌ فَيَدْخُلُ خَلْوَةً ثُمَّ يَخْرُجُ عَلَى الْخَلِيْفَةِ بَعْدَ وُصُوْلِهِ إِعْزَازًا لِطَرِيْقِ الْفُقَرَاءِ وَلِئَلاَّ يَقُوْمَ لِلْخَلِيْفَةِ وَمَا وَقَفَ بِبَابِ وَزِيْرٍ وَلاَ سُلْطَانٍ وَلاَ قَبِلَ هَدِيَّةً مِنَ الْخَلِيْفَةِ قَطُّ، حَتَّى عَتَبَهُ عَلَى عَدَمَ قَبُوْلِهِ هَدِيَّتَهُ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ أَرْسِلْ مَابَدَالَكَ وَاحْضُرْ مَعَهُ، فَحَاضَرَ الْخَلِيْفَةُ عِنْدَ الشَّيْخِ وَمَعَهُ شَيْئٌ مِنَ التُّفَّاحِ، وَإِذًا كُلُّ تُفَّاحَةٍ مَحْشُوٌّ دَمًا وَقَيْحاً، فَقَالَ لِلْخَلِيْفَةِ: كَيْفَ تَلُوْمُنَا عَلَى عَدَمِ أَكْلِنَا مِنْ هَذَا وَكُلُّهُ مَحْشُوُّ بِدِمَاءِ النَّاسِ، فَاسْتَغْفَرَ الْخَلِيْفَةُ وَتَابَ عَلَى يَدَيْهِ وَكَانَ يَأتِي فَيَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ الشَّيْخِ كَآَحَدِ النَّاسِ وَصَاحِبَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ. وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعَ جَلاَلَةِ قَدْرِهِ وَبُعْدِ صِيْتِهِ وَعُلُوِّ ذِكْرِهِ يُعَظِّمُ الْفُقُرُاءَ وَيُجَالِسُهُمْ وَيَفْلِي لَهُمْ ثِيَابَهُمْ، وَكَانَ يَقُوْلُ: الْفَقِيْرُ الصَّابِرُ أَفْضَلٌ مِنَ الْغَنِيِّ الشَّاكِرُ، وَالْفَقِيْرُ الشَّاكِرُ أَفْضَلٌ مِنْهُمَا، وَالْفَقِيْرُ الصَّابِرُ الشَّاكِرُ أَفْضَلٌ مِنَ الْكُلِّ، وَمَا أَحَبَّ الْبَلاَءِ وَالتَّلَذُّذَ بِهِ إِلاَّ مَنْ عَرَفَ الْمُبْلِي، وَكَانَ يَقُوْلُ: اتَّبِعُوْا وَلاَ تَبْتَدِعُوْا، وَأَطِيْعُوْا وَلاَ تَمْرُقُوْا، وَاصْبِرُوْا وَلاَ تَجْزَعُوْا وَانْتَذِرُ الْفَرَجَ وَلاَ تَيْأَسُوْا وَاجْتَمِعُوْا عَلَى ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَلاَ تَتَفَرَّقُوْا وَتَطَهَّرُوْا بِالتَّوْبَةِ عَنِ الذُّنُوْبِ وَلاَ تَتَلَطَّخُوْا وَعَنْ بَابِ مَوْلاَكُمْ لاَتَبْرَحُوْا، وَكَانَ يَقُوْلُ: لاَتَخْتَرْ جَلْبَ النَّعْمَاءِ وَلاَ دَفْعَ الْبَلْوَى فَإِنَّ النَّعْمَاءَ وَاصِلَةٌ إِلَيْكَ بِالْقِسْمَةِ اسْتَجْلَبْتَهَا، أَمْ لاَ وَالْبَلْوَى حَالَّةٌ بِكَ، وَإِنْ كَرِهْتَهَا فَسَلِّمْ لِلَّهِ فِي الْكُلِّ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، فَإِنْ جَاءَتْكَ النَّعْمَاءُ فَاشْتَغِلْ بِالذِّكْرِ وَالشُّكْرِ وَإِنْ جَاءَتْكَ الْبَلْوَى فَاسْتَغِلْ بِالصَّبْرِ وَالْمُوَافَقَةِ، وَإِنْ كُنْتَ أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ فَالرِّضَا وَالتَّلَذُّذَ وَاعْلَمُوْا أَنَّ الْبَلِيَّةَ لَمْ تَأتِ الْمُؤمِنَ لِتُهْلِكَهُ، وَإِنَّمَا أَتَتْهُ لِتَخْتَبِرَهُ، وَكَانَ يَقُوْلُ لاَيَصْلُحُ لِمُجَالَسَةِ الْحَقِّ تَعَالَى إِلاَّ الْمُطَهَّرُوْنَ مِنْ رِجْسِ الزَّلاَّتِ وَلاَ يُفْتَحُ إِلاَّ لِمَنْ خَلَى عَنِ الدَّعَاوِيْ وَالْهَوَسَاتِ وَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ عَدَمَ التَّطَهُّرِ ابْتَلاَ هُمُ اللهُ تَعَالَى بِالأَمْرَاضِ كَفَّارَةً وَطَهُوْرًا لِيَصْلُحُوْا لِمُجَالَسَتِهِ وَقُرْبِهِ شَعَرُوْا بِذَلِكَ أَوَلَمْ يَشْعُرُوْا، وَكَانَ يَقُوْلُ: إِيَّاكُمْ أَنْ تُحِبُّوْا أَحَدًا أَوْ تَكْرَهُوْهُ إِلاَّ بَعْدَ عُرْضِ أَفْعَالِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَيْلاَ تُحِبُّوْهُ بِالْهَوَىوَتَبْغَضُوْهُ بِالْهَوَى.

أَللَّهُمَّ انْشُرْ نَفَحَاتِ الرِّضْوَانِ عَلَيْهِ وَأَمِدَّنَا باِلأَسْرَارِ الَّتِي أَوْدَعْتَهَا لَدَيْهِ

وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لاَ يَجْلِسُ الذُّبَابُ عَلَى ثِيَابِهِ وِرَاثَةً لَهُ مِنْ جَدِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَيُّ شَيْئٍ يَعْمَلُ الذُّبَابُ عِنْدِِي وَلَيْسَ عِنْدِي مِنْ دِبْسِ الدُّنْيَا وَعَسَلِ الأَخِرَةِ وَمِنْ كَرَامَاتِهِ أَنَّهُ جَلَسَ مَرَّةً يَتَوَضَّأَ فَقَذَرَ عَلَيْهِ عُصْفُوْرٌ فَرَفَعَ رَأسَهُ فَخَرَّ الْعُصْفُوْرُ مَيْتًا فَغَسَلَ الثَّوْبَ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ عَنِ الْعُصْفُوْرِ وَقَالَ إِنْ كَانَ عَلَيْنَا إِثْمٌ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ وَمِنْ كَرَامَاتِهِ أَيْضًا أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْهُ بِوَلَدِهَا لِتُشَوِّقَهُ إِلَى صُحْبَةِ الشَّيْخَ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجَيْلاَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَتُسَلِّكَهُ فَأَمَرَهُ بِالْمُجَاهَدَةِ وَسُلُوْكِ طَرِيْقِ السَّلَفِ فَرَأَتْهُ يَوْماً نَحِيْلاً وَرَأَتْه يَأكُلُ خُبْزَ شَعِيْرٍ وَدَخَلَتْ عَلَى الشَّيْخِ وَوَجَدَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ عَظْمَ دَجَاجَةٍ مَلْعُوْقَةٍ فَسَأَلَتْهُ عَنِ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ فَوَضَعَ الشَّيْخُ يَدَهُ عَلَى الْعِظاَمِ وَقَالَ لَهَا: قُوْمِي بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى الَّذِي يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيْمٌ! فَقَامَةِ الدَّجَاجَةُ سَوِيَّةً وَصَاحَتْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَلِيُ اللهِ فَقَالَ لَهَا إِذَ صَارَ ابْنُكِ هَكَذَا فَلْيَأكُلْ مَا شَاءَ وَمِنْ كَرَامَاتِهِ أَيْضًا أَنَّهُ مَرَّ بِمَجْلِسِهِ حِدَأَةٌ فِي يَوْمٍ شَدِيْدِ الِّريْحِ فَشَوَّشَتْ بِصِيَاحِهَا عَلَى الْحَاضِرِيْنَ فَقَالَ يَا رِيْحُ خُذِي رَأسَهَا فَوَقَعَتْ لِوَقْتِهَا مَقْطُوْعَةَ الرَّأسِ فَنَزَلَ عَنِ الْكُرْسِيِّ وَأَخَذَهَا فِي يَدِهِ وَأَمَرَّ الأُخْرَى عَلَيْهَا وَقَالَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ فَحَيَّتْ وَطَارَتْ سَوِيَّةًبِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى وَالنَّاسُ يَشَاهِدُوْنَ ذَلِكَ وَمِنْ كَرَامَاتِهِ أَنَّ أَبَا عُمَرَ عُثْمَانَ الصَّيْرَفِيَّ وَأَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الْحَقِّ الْحَرِيْمِيَ رَحِمَهُمَ اللهُ تَعَالَى قَالَ كُنَّا بَيْنَ يَدَيِ الشَّيْخِ بِمَدْرَسَتِهِ يَوْمَ الأَحَدِ ثَالِثَ صَفَرَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِمِائَةٍ فَتَوَضَّأَ الشَّيْخُ عَلَى قَبْقَابِهِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّ سَلَّمَ صَرَخَ صَرْخَةً عَظِيْمَةً وَرَمَى بِفَرْدَةِ قَبْقَابِهِ فِي الْهَوَاءِ فَغَابَتْ عَنْ أَبْصَارِنَا ثُمَّ فَعَلَ ثَانِيَةً كَذَالِكَ بِالأُخْرَى ثُمَّ جَلَسَ فَلَمْ يَتَجَاسَرْ أَحَدٌ عَلَى سُؤَالِهِ ثُمَّ قَدِّمَتْ قَافِلَةٌ مِنْ بِلاَدِ الْعَجَمِ بَعْدَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ يَوْمًا فَقَالُوْا إِنَّ مَعَنَا لِلشَّيْخِ نَذْرًا فَاسْتَأذَنَّاهُ فَقَالَ خُذَاهُ مِنْهُمْ فَأَعْطَوْنَا شَيْأً مِنْ ذَهَبٍ وَثِيَابًا مِنْ حَرِيْرٍ وَخَزٍّ وَالْقََبْقَابَ بِعَيْنِهِ فَسَأَلْنَاهُمْ عَنِ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ فَقَالُوْا بَيْنَمَا نَحْنُ سَائِرُوْنَ يَوْمَ الأَحَدِ ثَالِثَ صَفَرَ إِذْ خَرَجَتْ عَلَيْنَا عَرَبٌ لَهُمْ مُقَدِّمَانِ فَانْتَهَبُوْا أَمْوَالَنَا وَنَزَلْنَا عَلَى شَفِيْرِ الْوَادِي فَقُلْنَا لَوْذَكَرْنَا الشَّيْخَ عَبْدَ الْقَادِرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَنَذَرْنَا لَهُ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِنَا سَلِمْنَا فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ ذَكَرْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ شَيْئًا فَسَمِعْنَا صَرْخَتَيْنِ عَظِيْمَتَيْنِ مَلَأَتاَ الْوَادِيَ وَرَأَيْنَاهُمْ مَذْعُوْرِيْنَ فَظَنَنَّا أَنْ قَدْ جَاءَ هُمْ مِثْلُهُمْ يَأخُذُهُمْ فَجَاءَنَا بَعْضُهُمْ وَقَالَ تَعَالَوْا إِلَيْنَا وَخُذُوْا أَمْوَالَكُمْ وَانْظُرُوْا مَا قَدْ دَهَمَنَا فَأَتَوْبِنَا إِلَى مُقَدِّمَيْهِمْ فَوَجَدْنَا هُمَا مَيْتَيْنِ وَعِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَرْدَةُ قَبْقَابٍ مُبْتَلَّةٍ بِمَاءٍ فَرَدُّوْا عَلَيْنَا مَا أَخَذُوْا وَقَالُوْا لَنَا إِنَّ لِهَذَ الأَمْرِ نَبَاءً عَظِيْمًا وَمِنْ كَرَامَاتِهِ أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْفِهَانَ لَهُ مَوْلاَةٌ تُصْرَعُ قَدْ أَعْيَةِ الْمُعَزِّمِيْنَ فَقَالَ الشَّيْخُ هَذَا مَارِدٌ مِنْ وَادِي سَرَنْدِيْبُ وَاسْمُهُ خَانِسُ فَإِذَ صُرِعَتْ فَقُلْ فِي أُذُنِهَا يَا خَانِسُ عَبْدُ الْقَادِرِ الْمُقِيْمُ بِبَغْدَادَ يَقُوْلُ لَكَ لاَ تَعُدْ تَهْلِكُ فَذَهَبَ الرَّجُلُ وَ غَابَ عِشْرِيْنَ سَنَةً ثُمَّ قَدِمَ وَسُئِلَ وَأُخْبِرَ أَنَّهُ فَعَلَ مَا قَالَ الشَّيْخُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَلَمْ يَعُدِ الصَّرْعُ إِلَيْهَا إِلَى الأَنَ وَقَالَ بَعْضُ رُؤَسَاءِ التَّعْزِيْمِ: مَكَثْتُ بِبَغْدَادَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً فِي حَيَاتِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَلاَ يَقَعُ فِيْهَا صَرْعٌ عَلَى أَحَدٍ فَلَمَّا مَاتَ وَقَعَ الصَّرْعُ وَمِنْ كَرَامَاتِهِ أَيْضًا أَنَّهُ ثَلاَثَةً مِنْ أَشْيَاخٍ جِيْلاَنَ أَتَوْ إِلَى زِيَارَتِهِ قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ فَلَمَّا دَخَلُوْا عَلَيْهِ رَأَوُا الإِبْرِيْقَ مُوَجَّهًا إِلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَالْخَادِمُ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ كَالْمُنْكِرِيْنَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ تَوَجُّهِ الإِبْرِيْقَ لِغَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَقِيَامِ الْخَادِمِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَوَضَعَ الشَّيْخُ كِتَابًا مِنْ يَدِهِ وَنَظَرَ إِلَيْهِمْ نَظْرَةً وَإِلَى الْخَادِمِ أُخْرَى فَوَقَعَ مَيْتًا وَنَظَرَ إِلَى الإِبْرِيْقِ نَظْرَةً أُخْرَى فَدَارَ وَطَافَ إِبْرِيْقُ وَاحْدَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَمِنْ كَرَامَاتِهِ أَنََّ أَباَ الْمُظَفَّرِ حَسَنَ ابْنِ تَمِيْمِ الْبَغْدَادِيَ التَّاجِرَ جَاءَ إِلَى الشَّيْخِ حَمَّادِ ابْنِ مُسْلِمِ ابْنِ دَرْوَةَ الدَّبَّاسِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مِائَةٍ وَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدِي قَدْ جُهِّزَتْ لِي قَافِلَةٌ إِلَى الشَّامِ فِيْهَا بِضَاعَةٌ بِسَبْعِ مِائَةِ دِيْنَارٍ فَقَالَ إِنْ سَافَرْتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَتُلْتُ وَأَخَذَ مَالكَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ مَغْمُوْمًا فَوَجَدَ فِي الطَّرِيْقِ الشَّيْخَ عَبْدَ الْقَادِرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ شَابٌّ يَوْمَ إِذٍ فَحَكَى لَهُ مَا قَالَهُ الشَّيْخَ حَمَّادٌ فَقَالَ لَهُ سَافِرْ تَذْهَبْ سَالِمًا وَ تَرْجِعْ غَانِمًا وَ الضَّمَانُ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ فَسَافَرَ إِلَى الشَّامِ وَبَاعَ بِضَاعَتَهُ بِأَلْفِ دِيْنَارِ وَدَخَلَ يَوْمًا إِلَى السِّقَايَةٍ فِي حَلَبَ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الإِنْسَانِ وَوَضَعَ الأَلْفَ دِيْنَارَ عَلَى رَفٍّ مِنَ السِّقَايَةِ وَخَرَجَ وَتَرَكَهَا نَاسِيًا وَأَتَى إِلَى مَنْزِلِهِ فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ النُّعَاسُ فَنَامَ فَرَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّهُ فِي قَافِلَةٍ قَدْ خَرَجَتْ عَلَيْهَا الْعَرَبُ وَانْتَهَبُوْهَا وَقَتَلُوْا مَنْ فِيْهَا وَأَتَاهُ أَحَدُهُمْ فَضَرَبَهُ بِحَرْبَةِ فَقَتَلَهُ فَانْتَبَهُ فَزِعًا وَوَجَدَ أَثَرَ الدَّامِ فِي عُنُقِهِ وَأَحَسَّ بِالأَلَمِ وَذَكَرَ الأَلْفَ فَقَامَ مُسْرِعًا إِلَى السِّقَايَةِ فَوَجَدَهَا فِي مَكَانِهَا سَالِمًا وَرَجَعَا إِلَى بَغْدَادَ فَلَمَّا دَخَلَهَا قَالَ فِي نَفْسِهِ إِنْ بَدَأتُ بِالشَّيْخِ حَمَّادٍ فَهُوَ الأَسَنُّ وَالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَهُوَ الَّذِي صَحَّ كَلاَمُهُ فَلَقِيَ الشَّيْخَ حَمَّادًا فِي أَثْنَاءِ تَرْدِيْدِ الْخَاطِرِ فِي سُوْقِ السُّلْطَانِ فَقَالَ لَهُ يَاأَبَا الْمُظَفَّرِ ابْدَأ بِعَبْدِ الْقَاِدِر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ مَحْبُوْبٌ وَلَقَدْ سَأَلَ اللهُ فِيْكَ سَبْعَ عَشَرَةَ مَرَّةً حَتَّى جُعِلَ مَا قُدِّرَ عَلَيْكَ مِنَ الْقَتْلِ يَقَظَةً مَنَامًا وَمِنَ الْفَقْرِ عِيَانًا نِسْيَانًا وَجَاءَ إِلَى الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ ِرَضِيَ الله عَنْهُ فَقَالَ لَهُ ابْتِدَاءً قَالَ لَكَ الشَّيْخُ حَمَّادٌ إِنَّنِي سَأَلْتُ اللهُ فِيْكَ سَبْعَ عَشَرَةَ مَرَّةً وَعِزَّةِ الْمَعْبُوْدِ لَقَدْ سَأَلْتُ اللهَ تَعَالَى فِيْكَ سَبْعَ عَشَرَةَ وَسَبْعَ عَشَرَةَ مَرَّةً إِلَى تَمَامِ سَبْعِيْنَ مَرَّةً حَتَّى كَانَ مَا ذَكَرَهُ وَمِنْ كَرَامَاتِهِ أَيْضًا أَنَّ الشَّيْخَ عَلِيَّا نِ الْهَيْتِيَّ وَ الشَّرِيْفَ عَبْدَ اللهِ ابْنَ مُحَمَّدٍ أَبَا الْغَنَائِمِ الْحَسَنِيَ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى دَخَلاَ دَارَ الشَّيْخَ قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ فَوَجَدَ إِنْسَانًا شَابًّا مُلْقًى عَلَى قَفَاهْ فَقَالَ لِلشَّيْخِ عَلِيِّ الْهَيْتِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَا سَيِّدِي اِشْفَعْ لِي عِنْدَ الشَّيْخِ فَلمَّا ذَكَرَهُ لَهُ وَهَبَهُ لَهُ بِقَوْلِهِ قَدْ وَهَبْتُهُ لَهُ فَخَرَجَا إِلَى الرَّجُلِِ الْمُلْقَى وَعَرَفَاهُ بِذَلِكَ فَقَامَ الرَّجُلِ وَخَرَجَ مِنْ كُوَّةٍ فِي الدِّهْلِيْزِ وَطَارَ فِي الْهَوَاءِ فَرَجَعَا إِلَى الشَّيْخِ رَضِيَ اللهُ عَنْهٌ وَسَأَلاَهُ عَنْ حَالِ الرَّجُل؟ فَقَالَ إِنَّهُ مَرَّفِي الْهَوَاءِ وَقَالَ فِي نَفْسِهِ مَا فِي بَغْدَادَ رَجُلٌ مِثْلِي فَسَلَبْتُهُ حَالَهُ وَلَوْ لاَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ مَا رَدَدْتُهُ لَهُ وَمِنْ كَرَامَاتِهِ أَيْضًا أَنَّ الشَّيْخُ أَبَا الْحَسَنِ الْمَعْرُوْفِ بِابْنِ الطَّنْطَنَةِ الْبَغْدَادِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى قَالَ يَوْمَ وَفَاتِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ وَنَوَرَ ضَرِيْحَهُ كُنْتُ اَسْتَغِلُ فِي الْعِلْمِ وَأُكْثِرُ السَّهَرَ اَتَرَقَّبُ حَاجَةً لَهُ فَخَرَجَ لَيْلَةً مِنْ دَارِهِ فِي صَفَرَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِمِائَةٍ فَنَاوَلْتُهُ إِبْرِيْقًافَلَمْ يَأخُذْهُ وَقَصَدَ بَابَ الْمَدْرَسَةِ فَأَشَارَ إِلَيْهِ فَانْفَتَحَ فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ خَلْفَهُ وَأَنَا أَقُوْلُ فِي نَفْسِي إِنَّهُ لاَ يَشْعُرُ بِي ثُمَّ انْغَلَقَ ثُمَّ بَابَ الْمَدِيْنَةِ كَذَلِكَ ثُمَّ مَشَى غَيْرَ بَعِيْدٍ فَإِذًا نَحْنُ بِبَلْدَةٍ لاَ أَعْرِفُهَا فَدَخَلَ مَكَانًا كَالرِّبَاطِ فَإِذاً فِيْهِ سِتَّةٌ مٍنْ رِجَالٍ قُعُوْدٍ فَلَمَّا رَأَوُ الشَّيْخَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَظَّمُوْهُ وَبَادَرُوْهٌُ بِالسَّلاَمٍ إِلَيْهِ وَالْتَجَأتُ إِلَى سَارِيَةٍ فَسَمِعْتُ أَنِيْنًا مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ بَعْدَ يَسِيْرٍ سَكَانَ ذَلِكَ الأَنِيْنُ ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ إِلَى تِلْكَ الْجِهَتِ الَّتِي فِيْهَا الأَنِيْنِ وَخَرَجَ يَحْمِلُ رَجُلاً مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ وَدَخَلَ شَخْصٌ مَكْشُوْفُ الرَّأسِ طَوِيْلُ الشَّارِبِ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ الشَّيْخِِ فَأَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَقَصَّ رَأسَهُ وَشَارِبَهُ وَألْبَسَهُ طَاقِيَةً وَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا وَقَالَ لِلسِّتَّةٍ قَدْ أَمَرْتُ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا بَدَلاً عَنِ الْمَيِّتِ فَقَالُوْا سَمْعًا وَطَاعَةً ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَهُمْ وَخَرَجْتُ مَعَهُ وَمَشَيْنَا غَيْرَ بَعِيْدٍ وَإِذًا نَحْنُ عِنْدَ بَابِ بَغْدَادَ فَانْفَتَحَ كَأَوَّلِ مَرَّةٍ ثُمَّ أَتَى بَابَ الْمَدْرَسَةِ كَذَلِكَ فَدَخَلَ دَارَهُ ثُمَّ فِي الْغَدِّ جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ آقْرَأ فَمَنَعَتْنِي هَيْبَتُهُ فَقَالَ يَا بُنَيَّا آقْرَأ وَلاَ عَلَيْكَ فَأَقْسَمْتُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ لِي مَا رَأَيْتُ بِالأَمْسِ فَقَالَ أَمَّ الْبَلَدُ فَنَهَاوَنْدُ وَأَمَّ السِّتَّةُ فَهُمُ الأَبْدَالُ النُّجَبَاءِ وَأَمَّا صَاحِبُ الأَنِيْنِ فَسَابِعُهُمْ كَانَ مَرِيْضًا فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جِئتُ أَحْضُرُ وَفَاتَهُ وَأَمَّ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ فَأَبُوْ الْعَبَّاسِ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلاَمِ أَخَذَهُ لِيَتَوَلَّى أَمَرَهُ وَأَمَّ الَّذِي أَخَذْتُ عَلَيْهِ الْعَهْدَ فَنَصْرَانِيٌّ مِنَ الْقُسْطَنْطِنِيَّةِ أَمَرْتُ أَنْ يَكُوْنَ عِوَضًا عَنِ الْمُتَوَفَّى وَهُوَ الأَنَ مِنْهُمْ قَالَ أَبُوْ الْحَسَنِ وَأَخَذَ عَلَيَّ الْعَهْدَ أَنْ لاَ أُحَدِّثَ بِذَلِكَ لِأَحَدٍ مَا دَامَ حَيًّا وَقَالَ آحْذَرْ مِنْ إِفشَاءِ السِّرِّي فِي حَيَاتِي وَذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ الْمَوْصِلِيُّ أَنَّ الإِمَامَ الْمُسْتَنْجِدَ بِاللهِ أَبَا الْمُظَفَّرِ يُوْسُفَ جَاءَ إِلَى الشَّيْخِ قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَاسْتَوْصَاهُ وَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَالاً فِي عَشَرَةِ أَكْيَاسٍ يَحْمِلُهَا عَشْرَةٌ مِنَ الْخُدَّامِ فَرَدَّهَا الشَّيْخُ فَأَبَىالْخَلِيْفَةُ إِلاَّ أَنْ يَقْبَلَهَا وَأَلَحَّ عَلَى الشَّيْخِ فَأَخَذَ الشَّيْخُ كِيْسَيْنِ مِنْهَا فِي يَدَيْهِ وَهُمَا خَيْرُ الأَكْيَاسِ وَأَحْسَنُهَا وَعَصَرَهُمَا فَسَالاَ دَمًا فَقَالَ الشَّيْخُ لِلْخَلِيْفَةِ أَمَا تّسْتَحْيِ مِنَ اللهِ تَعَالَى أَنْ تَأخُذَ دَمَ النَّاسِ وَتُقَابِلَنِي بِهِ فَغَشِيَ الْخَلِيْفَةُ فِي الْحَالِ فَقَالَ الشَّيْخُ وَعِزَّةِ الْمَعْبُوْدِ لَوْ لاَ حُرْمَةًُ التِّصَالِهِ بِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتَرَكْتُ الدَّمَ يَجْرِي إِلَى مَنْزِلِهِ قَالَ عَبْدُ اللهِ الْمَذْكُوْرُ وَشَهِدْتُ الْخَلِيْفَةَ عِنْدَهُ يَوْمًا فَقَالَ لِلشَّيْخِ أُرِيْدُ شَيْئًا مِنَ الْكَرَامَاتِ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ وَمَا تُرِيْدُ ؟ قَالَ تُفَّاحًا مِنَ الْغَيْبِ وَلَمْ يَكُنْ أَوَانُهُ بِالْعِرَاقِ فَمَدَّ الشَّيْخُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَدَهُ فِي الْهَوَاءِ فَإِذًا فِيْهَا تُفَّاحَتَانِ فَنَاوَلَهُ إِحْدَاهُمَا وَكَسَرَ الشَّيْخُ الَّتِي فِي يَدِهِ فَإِذًا هِيَ بَيْضَاءُ تَفُوْحُ مِنْهَا رَائِحَةُ الْمِسْكِ وَكَسَرَ الْخَلِيْفَةُ الأُخْرَى فَإِذًا فِيْهَا دُوْدَةٌ فَقَالَ مَا هَذِهِ وَالَّتِي بِيَدِكَ كَمَا تَرَى أَوْ قَالَ كَمَا أَرَى قَالَ الشَّيْخُ يَا أَبَا الْمُظَفَّرِ هَذِهِ لَمَسَتْهَا يَدُ الظَّالِمِ فَدَوَّدَتْ كَمَا تَرَى وَهَذِهِ لَمَسَتْهَا يَدُ الْوِلاَيَةِ فَطَابَتْ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قِصَّةُ التُّفَّاحِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْخَلِيْفَةِ لِلشَّيْخِ وَكَرَامَاتُهُ أَكْثَرٌ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَعْظَمٌ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنَّا بِرِضَائِهِ الرَّفِيْعُ وَأَمِدَّنَا بِمَدَدِهِ الْوَسِيْعُ

أَللَّهُمَّ انْشُرْ نَفَحَاتِ الرِّضْوَانِ عَلَيْهِ وَأَمِدَّنَا باِلأَسْرَارِ الَّتِي أَوْدَعْتَهَا لَدَيْهِ

وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُوْلُ وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ مَا مَرَّ مُسْلِمٌ عَلَى بَابِ مَدْرَسَتِي إِلاَّ خَفَّفَ اللهُ عَنْهُ الْعَذَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأُخْبِرَ أَنَّ شَخْصًا يَصِيْحُ فِي قَبْرِهِ فَمَضَى إِلَيْهِ وَقَالَ إِنَّ هَذَا زَارَنِي مَرَّةً وَلاَ بُدَّ أَنْ يَرْحَمَهُ اللهُ تَعَالَى فَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ صُرَاخُ وَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَثَرَ حُسَيْنٌ نِ الْحَلاَّجُ عَثَرَةَ فَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ مَنْ يَأخُذُ بِيَدِهِ وَلَوْ كُنْتُ فِي زَمَنِهِ لَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَأَنَا لِكُلِّ مَنْ عَثَرَ مَرْكُوْبُهُ مِنْ جَمِيْعِ أَصْحَابِي وَ مُرِيْدِيَ وَ مُحِبِّيَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَخُذُ بِيَدِهِ كُلَّمَا عَثَرَ حَيًّا وَمَيْتًا فَإِنَّ فَرَسِي مُسْرَجٌ وَ رُمْحِي مَنْصُوْبٌ وَ سَيْفِي مَشْهُوْرٌ وَقَيْسِي مَوْتُوْرٌ لِحِفْظِي مُرِيْدِي وَهُوَ غَافِلٌ وَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَا نَارُ اللهِ الْمُوْقَدَةُ أَنَا سَلاَّبُ الأَحْوَالُ أَنَا بَحْرٌ بِلاَ سَاحِلَ أَنَا الْمَحْفُوْظُ أَنَا الْمَلْحُوْظُ يَا صُوَّامُ يَا قُوَّامُ يَا أَهْلَ الْجِبَالُ دُكَّتْ جِبَالُكُمْ يَا أَهْلَ الصَّوَامِعِ هُدِّمَتْ صَوَامِعُكُمْ أَقْبِلُوْا إِلَى أَمْرٍ مِنْ أُمُوْرِ اللهِ يَا رِجَالُ يَا أَبْطَالُ يَا أَطْفَالُ هَلُّمُوْا إِلَيَّ وَخُذُوْا عَنِ الْبَحْرِ الَّذِي لاَسَاحِلَ لَهُ يَا عَزِيْزٌ أَنْتَ وَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ وَأَنَا وَاحِدُ فِي الأَرْضِ يُقَالُ لِي بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سَبْعِيْنَ مَرَّةً وَأَنَا اخْتَرْتُكَ لِنَفْسِي وَيُقَالُ لِي أَيْضًا سَبْعِيْنَ مَرَّةً وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي وَعِزَّةِ رَبِّي إِنَّ السُّعَدَاءَ وَ الأَشْقِيَاءَ يُعْرَضُوْنَ عَلَيَّ وَيُوْقَفُوْنَ لَدَيَّ وَإِنَّ نُوْرَ عَيْنِي فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوْظِ مُقِيْمٌ أَنَا غَائِصٌ فِي بَحْرِ عِلْمِ الْقَدِيْمِ أَنَا حُجَّةُ اللهِ عَلَيْكُمْ يَوْمَ الْعَرْضِ أَنَا نَائِبُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَارِثُهُ يُقَالُ يَا عَبْدَ الْقَادِرِ تَكَلَّمْ يُسْمَعْ مِنْكَ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَاللهِ مَا شَرِبْتُ حَتَّى قِيْلَ لِي يَا عَبْدَ الْقَادِرِ بِحَقِّي عَلَيْكَ اشْرَبْ وَمَا أَكَلْتُ حَتَّى قِيْلَ لِي بِحَقِّي عَلَيْكَ كُلْ وَأَمَنْتُكَ مِنَ الرَّدَى تَجِئُ السَّنَةُ تُسَلِّمُ عَلَيَّ وَتُخْبِرَنِي بِمَا يَجْرِي فِيْهَا وَكَذَا الشَّهْرُ وَكَذَا الأُسْبُوْعُ وَكَذَا الْيَوْمُ وَقَالَ مَرَّةً عَلَى الْكُرْسِيِّ إِذَ سَأَلْتُمُ اللهَ تَعَالَى فَاسْأَلُوْهُ بِي وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَسْمَرَ اللَّوْنِ مَقْرُوْنَ الْحَاجِبَيْنِ عَرِيْضَ اللِّحْيَةِ طَوِيْلَهَا عَرِيْضَ الصَّدْرِ نَحِيْفَ الْْبَدَنِ رَبْعَ الْقَامَةِ جَوْهَرِيَ الصَّوْتِ بَهِيَّ الصَّوْتِ سَرِيْعَ الدَّمْعَةِ شَدِيْدَ الْخَشْيَةِ كَثِيْرَ الْهَيْبَةِ مُجَابَ الدَّعْوَةِ كَرِيْمَ الأَخْلاَقِ طَيِّبَ الأَعْرَاقِ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنِ الْفُحْشِ وَأَقْرَبَهُمْ إِلَى الْحَقِّ شَدِيْدَ الْبَأسِ إِذَا انْتُهِكَ مَحَارِمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لاَيَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلاَ يَنْصُرُ لِغَيْرِ رَبِّهِ وَلاَ يَرُدُّ سَائِلاً وَلَوْ بِأَحَدِ ثَوْبَيْهِ وَكَانَ التَّوْفِيْقُ رَائِدَهُ وَالتَّأيِيْدُ مَعَارِضَهُ وَ الْعِلْمُ مُهَذِّبَهُ وَ الْقُرْبُ مُؤَيِّدَهُ وَالْمُحَاضَرَةُ كَنْزَهُ وَالْمَعْرِفَةُ حِرْزَهُ وَالْخِطَابُ مَسِيْرَهُ وَاللَّحْظُ سَفِيْرَهُ وَالأُنْسُ نَدِيْمَهُ وَالْبَسْطُ نَسِيْمَهُ وَالصِّدْقُ رَأَيْتَهُ وَالْفَتْحُ بِضَاعَتَهُ وَالْعِلْمُ ضَيْعَتَهُ وَ الذِّكْرُ سَمِيْرَهُ وَ الْمُكَاشَفَةُ غِذَائَهُ وَالْمُشَاهَدَةُ شِفَائَهُ وَأَدَابُ االشَّرِيْعَةُ ظَاهِرَهُ وَأَوْصَافُ الْحَقِيْقَةُ الشَّرَائِرَهُ قَدَمُهُ التَّفْوِيْدُ وَالْمُوَافَقَهُ مَعَ التَّبَرِّي مِنَ الْهَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَطَرِيْقُهُ تَجْرِيْدُ التَّوْحِيْدِ وَ التَّوْحِيْدُ التَّفْرِيْدِ مَعَ الْحُضُوْرِ فِي مَوْقِفِ الْعُبُوْدِيَّةِ بَشَرٌ قَائِمٌ فِي مَوْقِفِ الْعَبْدِيَّةِ لاَ بِشَيْئٍ وَلاَ لِشَيْئٍ وَكَانَتْ عُبُوْدِيَّتُهُ مُسْتَمَدَّةً مِنْ مَحْضِ كَمَالِ الرُّبُوْبِيَّةِ فَهُوَ عَبْدٌ سَمَا عَنْ مُصَاحَبَةِ التَّفْرِيْقَةِ إِلَى مُرَافَقَةِ الْجَمْعِ مَعَ لُزُوْمِ أَحْكَامِ الشَّرِيْعَةِ وَفَضَائِلُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَثِيْرَةٌ وَأَحْوَالُهُ أَظْهَرُ مِنْ شَمْسِ الظَّهِيْرَةِ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ دَامَتْ عَلَيْنَا بَرَكَاتُهُ فِي الْيَوْمِ الْحَادِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيْعِ الثَّانِي سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِمِائَةٍ وَعُمْرُهُ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ سَنَةً وَدُفِنَ بِبَغْدَادَ وَقَبْرُهُ ظَاهِرٌ يُزَارُ وَيُقْصَدُ مِنْ سَائِرِ الأَقْطَارِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَنَفَعْنَا بِهِ أَجْمَعِيْنَ اَللَّهُمَّ أَمِيْنَ أَللَّهُمَّ أَمِيْنَ

أَللَّهُمَّ انْشُرْ نَفَحَاتِ الرِّضْوَانِ عَلَيْهِ وَأَمِدَّنَا باِلأَسْرَارِ الَّتِي أَوْدَعْتَهَا لَدَيْهِ

وَحَيْثُ انْتَهَى مَاأَرَدْنَاهُ وَتَمَّ ماَاهْتَمَمْنَا بِهِ وَقَصَدْنَاهُ فَالْنَرْفَعْ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَكُفَّ الإِبْتِهَالِ وَنَتَوَسَّلُ بِهِ وَبِنَتَائِجِهِ أَرْبَابِ الأَذْوَاقِ وَالأَحْوَالِ فَنَقُوْلُ : أَللَّهُمَّ إِنَّ نَسْأَلُكُ بِأَنْفَاسِ هَذَا الْعَارِفِ الأَكْبَرِ وَالسِّرِّ الأَطْهَارِ الْوَارِثِ الْمُحَمَّدِيِّ صَاحِبِ الإِدْلاَلِ عَلىَ الْبِسَاطِ الْعِنْدِيِّ وَبِالسَّالِكِيْنَ عَلَى مِنْهَاجِهِ الأَنْوَارِ وَالْمُغْتَرِفِيْنَ مِنْ مَنْهَلِ مَعَارِفِهِ الأَعْذَبِ الأَزْخَرِ أَنْ تُمِدَّناَ بِطِيْبِ أَنْفَاسِهِمْ وَتُدْنِيَ لَنَا مِنْ ثِمَارِ غِرَاسِهِمْ يَا أَيُّهَا الأَرْوَاحُ الْمُقَدَّسَةُ يَا خَتْمُ يَا قُطْبُ يَا إِمَامَانِ يَا أَوْتَادُ يَا أَبْدَالُ يَا رُقَبَاءُ يَا نُجَبَاءُ يَا نُقَبَاءُ يَا أَهْلَ الْغِيْرَةِ يَا أَهْلَ الأَخْلاَقِ يَا أَهْلَ السَّلاَمَةِ يَا أَهْلَ الْعِلْمِ يَا أَهْلَ الْبَسْطِ يَا أَهْلَ الْجِنَانِ وَالْعَطْفِ يَا أَهْلَ الضِّيْفَانِ يَا أَيُّهَا الشَّخْصُ الْجَامِعُ يَا أَهْلَ الأَنْفَاسِ يَا أَهْلَ الْغَيْبِ مِنْكُمْ وَالشَّهَادَةِ يَا أَهْلَ الْقُوَّةِ وَالْعَزْمِ يَا أَهْلَ الْهَيْبَةِ وَالْجَلاَلِ يَا أَهْلَ الْفَتْحِ يَا أَهْلَ مَعَارِجِ الْعُلَى يَا أَهْلَ النَّفْسِ ياَ أَهلَ الإِمْدَادِ يَا أَهْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ يَا قُطْبَ الْقَاهِرِ يَا قُطْبَ الرَّقَائِقِ يَا قُطْبَ سَقِيْطِ الرَّفْرَفِ ابْنَ سَاقِطِ الْعَرْشِ يَا أَهْلَ الْغِنَى بِاللهِ يَا قُطْبَ الْخَشْيَةِ يَا أَهْلَ عَيْنِ التَّحْكِيْمِ وَالزَّوَائِدِ ياَ أَهْلَ الْبُدَلاَءِ يَاأَهْلَ الْجِهَةِ السِّتِّ يَا مَلاَمَتِيَّةُ يَا فُقَرَاءُ يَا صُوْفِيَّةُ يَا عُبَّادُ يَا زُهَّادُ يَا رِجَالَ الْماءُ يَا أَفْرَادُ يَا أُمَنَاءُ يَا قُرَّاءُ يَا أَحْبَابُ يَا أَجِلاَّءُ يَا مُحَدِّثُوْنَ يَا سُمَرَاءُ يَا وَرَثَةَ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ مِنْكُمْ وَالْمُقْتَصِدِ وَالسَّابِقِ بِالْخَيْرَاتِ أَيُّهَالأَرْوَاحُ الطَّاهِرَةُ مِنْ رِجَالُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ كُوْنُوْا عَوْنًا لَنَا فِي نَجَاحِ الطَّلَبَاتِ وَتَيْسِيْرِ الْمُرَدَاتِ وَإِنْـهَادِ الْعَزَمَاتِ وَتَأمِيْنِ الرَّوْعَاتِ وَسَتْرِ الْعَوْرَاتِ وَقَضَاءِ الدُّيُوْنِ وَتَحْقِيْقِ الظُّنُوْنِ وَإِزَالَةِ الْحُجُبِ الْغَيَاهِبِ وَحُسْنِ الْحَوَاتِمِ وَالْعَوَاقِبِ وَكَشْفِ الْكُرُوْبِ وَغُفْرَانِ الذُّنُوْبِ

عباد الله رجــال الله أغيثوانا لأجـــل الله

وكــونوا عوننا لله عسى نحظى بفضل الله

ويا أقطاب ويا أنجـــاب ويا سادات ويا أحباب

وأنتم يا أولي الألباب تعالوا وانصــروا لله

سألناكم سألناكـــم وللزلفى رجوناكــم

وفي أمر قصدنا كــم فشدوا عزمكــم لله

فيا ربي بساداتــــي تحقق لي إشاراتـــي

عسى تأتي بشاراتــي ويسفوا وقتـــنا لله

بكشف الحجب عن عيني ورفع البين من بيــني

وطمس الكيف والأين بنور الوجــه يا الله

صلاة الله مــــولانا على من بالهدى جـانا

ومن بالحــق أولانا شفيع الخلق عنـد الله

أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ

أَللَّهُمَّ وَكَمَا أَحْضَرْتَنَا خَتْمَ كِتَابِكَ الَّذِي أَعْرَبْتَ فِيْهِ عَنْ سَرَائِعِ أَحْكَامِكَ وَوَحْيِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَهُ مُفَرِّقًا بَيْنَ حَلاَلِكَ وَحَرَامِكَ وَ نَدَبْتَنَا لِتَعَرُّضِ لِثَوَابِهِ الْجَسِيْمِ وَحَذَّرْتَنَا عَلَى لِسَانِ وَعِيْدِهِ شَدِيْدَ عَذَابِكَ الأَلِيْمِ فَاجْعَلنَا ِممَّنْ تَلِيْنُ قُلُوْبُهُمْ عِنْدَ سَمَاعِ أَيَاتِهِ وَيَدِيْنُ لَكَ بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَمَنْهِيَّاتِهِ فَاجْعَلْهُ نُوْرًا نَسْعَى بِهِ إِلَى عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ وَسُلَّمًا نَعْرُجُ بِهِ إِلَى دَارِ الْمُقَامَةِ أَللَّهُمَّ وَسَهِّلْ بِهِ عَلَيْنَا كَرْبَ السِّيَاقِ إِذَ دَنَا مِنَّا الرَّحِيْلِ وَبَلَغَةِ الرُّوْحُ مِنَّا التَّرَاقِي وَتَجَلَّى مَلَكُ الْمَوْتِ لِقَبْضِهَا مِنْ حُجُبِ الْغُيُوْبِ وَقِيْلَ مَنْ رَاقٍ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَومَ إِذٍ نِ الْمَسَاقُ وَصَارَتِ الأَعْمَالُ قَلاَئِدَ فِي الأَعْنَاقِ أَللَّهُمَّ لاَ تَغُلَّ يَدًا إِلَى الأَعْنَاقِ أَكُفَّا تَضَرَّعَتْ إِلَيْكَ وَاعْتَمَدَتْ فِي صَلَوَاتِهَا عَلَيْكَ رَاكِعَةً وَسَاجِدَةً بَيْن يَدَيْكَ وَلاَ تُقَيِّدْ بِأَنْكَالِ الْجَحِيْمِ أَقْدَامًا سَعَتْ إِلَيْكَ وَبَرَزَتْ مِنْ مَنَازِلِهَا إِلَى الْمَسَاجِدِ طَامِعَةً فِيْمَا لَدَيْكَ وَلاَ تُصِمَّ أَسْمَاعًا تَلَذَّذَتْ بِحَلاَوَةِ تِلاَوَةِ كِتَابِكَ الْكَرِيْمِ وَلاَ تَطْمِسْ بِالْعَمَى أَعْيُنًا بَكَتْ فِي ظُلَمِ اللَّيَالِي خَوْفًا مِنْ عَذَابِكَ الأَلِيْمِ أَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ شَفِيْعِ أَرْبَابِ الذُّنُوْبِ وَعَلَى أَلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَطِبَّاءِ الْقُلُوْبِ وَعَلَى أُمَّتِهِ الَّذِيْنَ كَشَفْتَ لَهُمْ كُلَّ مُحْجُوْبٍ وَأَنَلْتَهُمْ كُلَّ مَحْجُوْبٍ مَا هَبَتِ النَّفَحَاتُ السَّحَرِيَّةِ وَتَعَطَّرَتِ الْمَجَالِسُ بِعَرْفِ الأَخْبَارِ الأَخْيَارِ الزَّاكِيَّةِ الْمِسْكِيَّةِ أَمِيْنَ أَللَّهُمَّ أَمِيْنَ

(زيادة دعاء)

اللَّهُمَّ يَا مُؤنِسَ كُلِّ وَحِيْدٍ وَيَا صَاحِبَ كُلِّ فَرِيْدٍ وَ يَا قَرِيْباً غَيْرَ بَعِيْد وَيَا شَاهِدًا غَيْرَ غَالِبْ وَيَا غَالِباً غَيْرَ مَغْلُوْب اَللَّهُمَّ رَبَّنَا أَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الأخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارْ اَللَّهُمَّ افْتَحْ لَنَا فُتُوْحَ الْعَارِفِيْن اَللَّهُمَّ يَسِّرْ لَنَا أُمُوْرَنَا مَعَ الرَّاحَةٍ لِقُلُوْبِنَا وَأَجْسَادِنَا وَالسَّلاَمَةِ وَالْعَافِيَةِ فِي الدِّيْنِ وَالدُّنْيَا وَالأَخِرَةِ أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم الْحَيِّ الْقَيُّوْمِ الَّذِي لاَ تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْم وَاسْأَلُكَ بِاسْمِكَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ الْحَيِّ الْقَيُّوْمِ الَّذِي عَنَّتْ لَهُ الْوُجُوْه وَ خَشَعَتْ لَهُ الأَسْوَاتِ وَوَجِلَتْ مِنْهُ الْقُلُوْب اَنْ تُصَلِّي عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ أَنْ تَجْعَلْ لِي مِنْ أُمُوْرِي فَرَجًا وَمَخْرَجاً وَتَقْضِي حَاجَتِي فِي الدِّيْنِ وَالدُّنْيَا وَالأخِرَةِ بِجَاهِ الْقُطْبِ الرَّباَّنِي سَيِّدِنَا الشَّيْخ عَبْدُ الْقَاِِدرِ الْجَيْلاَنِي قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ وَنَوِّرْ ضَرِيْحَهُ وَيُعْلِي دَرَجَاتِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ وبَرِّهِ أَمِيْن ياَ سُلْطَانِ الْعَارِفِيْنَ سَيِّدِي الشَّيْخ عَبْدُ الْقَادِرِ الْجَيْلاَنِي إِنِّي أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ لِرَبِّ الْبَرِيَّةِ بِتَسْهِيْلِ أُمُوْرِي فِي الدِّيْنِ وَالدُّنْيَا وَالأَخِرَةِ اَللَّهُمَّ أَوْصِلْ وَتَقَبَّلْ ثَوَابَ مَا قَرَاءنَاهُ وَمَا اسْتَغْفَرْنَاهُ وَمَا صَلَّيْنَاهُ وَمَا دَعَوْنَاهُ إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ اَللَّهُمَّ أَوْصِلْ وَتَقَبَّلْ ثَوَابَ مَا قَرَاءنَاهُ وَمَا اسْتَغْفَرْنَاهُ وَمَا صَلَّيْنَاهُ وَمَا دَعَوْنَاهُ إِلَى حَضْرَةِ الْقُطْبِ الرَّبََّانِي سَيِّدِنَا الشَّيْخ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجَيْلاَنِي وَأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ اَللَّهُمَّ أَوْصِلْ وَتَقَبَّلْ ثَوَابَ مَا قَرَاءنَاهُ وَمَا اسْتَغْفَرْنَاهُ وَمَا صَلَّيْنَاهُ وَمَا دَعَوْنَاهُ إِلَى أَوْلِيَاءِ اللهِ الْكِرَام آمْبَهْ عَبْدُ الْجَلِيْل آمْبَهْ عَبْدُ الْقَهَّارْ آمْبَهْ سِيْوَانَكَارَا آمْبَهْ سَنُوْسِي آمْبَهْ يَسٍ آمْبَهْ أَحْمَدْ آمْبَهْ رِفَاعِي قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُمْ وَنَوِّرْ ضَرِيْحَهُمْ وَيُعْلِي دَرَجَاتِهِمْ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِمْ وَامْطِرْ عَلَيْنَا غَيْثِ كَرَمَاتِهِمْ اَللَّهُمَّ أَوْصشلْ وَتَقَبَّلْ ثَوَابَ مَا قَرَاءنَاهُ وَمَا اسْتَغْفَرْنَاهُ إِلَى اَرْوَاحِ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مِنَ الْمُسْلِمِيْن وَ الْمُسْلِمَاتِ وَخُصُوْصًا إِلَى رُوْحِ الشَّيْخِي وَمَشَايِخِهِ غَفَرَ اللهُ ذُنُوْبَهُمْ وَيُعْلِي دَرَجَاتِهِمْ وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُوْن وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِيْنَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْن.